ولد نزار قبانى فى 21 اذار 1923 م فى أحد بيوت دمشق القديمة. يقول نزار"يوم ولدت كانت الأرض هى الأخرى فى حالة ولادة، وكان الربيع يستعد لفتح حقائبه الخضراء.. هل كانت يا ترى أن تكون ولادتى فى الفصل الذى تثور فيه الأرض على نفسها، وترمى فيه الأشجار كل أوراقها القديمة؟ أم كان مكتوبا عليّ أن أكون كشهر آذار...شهر التغيير والتحولات"؟.
وأسرة قبانى من الأسر الدمشقية العريقة، ووالده توفيق قباني، كان من رجالات الثورة السورية. حصل نزار قبانى على الشهادة الثانوية من مدرسة الكلية العلمية الوطنية بدمشق، وبعدها إلتحق بكلية الحقوق بالجامعة السورية وتخرج فيها عام 1945، وقد عمل بعد تخرجه فى السلك الدبلوماسى بوزارة الخارجية السورية، وتنقل فى سفاراتها بين مدن عديدة، وظل نزار فى عمله الدبلوماسى حتى إستقال منه عام 1966، وبعد تركه للعمل الدبلوماسى أسس فى بيروت دارا للنشر تحمل أسمه، وتفرغ للشعر.
بدأ نزار يكتب الشعر وعمره 16 سنة، وأصدر أول دواوينه "قالت لى السمراء" عام 1944، وكان طالبا بكلية الحقوق، وطبعه على نفقته الخاصة، وله عدد كبير من دواوين الشعر تصل إلى أربعين ديوانا كتبها على مدار ما يزيد عن نصف قرن، كما أن له عددا كبيرا من الكتب النثرية أهمها "قصتى مع الشعر" و"ما هو الشعر" و"مئة رسالة حب".
على مدى أربعين عاما كان المطربون الكبار يتسابقون للحصول على قصائده، وكانت حياته مليئة بالمفاجئات والصدمات، فأول فاجعة تلقاها برحيل شقيقته الكبرى وصال، حين قتلت نفسها لأنها لم تستطع أن تتزوج من تحب، فكانت هذه الحادثة أول عامل يؤثر فى شعره! وبعد وفاتها قرر محاربة كل الأشياء التى تسببت فى موتها.
وعندما سؤل نزار إذا كان يعتبر نفسه ثائرا، أجاب الشاعر: "إن الحب فى العالم العربى سجين وأنا أريد تحريره، أريد تحرير الحس والجسد العربى فى شعري، إن العلاقة بين الرجل والمرأة فى مجتمعنا غير سليمة".
توفى إبنه توفيق من زوجته الأولى، ابنة عمه زهرا اقبيق، وهو فى السابعة عشرة من عمره مصابا بمرض القلب وهو فى السنة الأولى بكلية الطب فى جامعة القاهرة وكانت وفاته صدمة كبيرة لنزار وقد رثاه فى قصيدة مؤثرة "إلى الأمير الدمشقى توفيق قباني".
فى عام 1982 قتلت زوجته الثانية، العراقية بلقيس الراوي، فى إنفجار السفارة العراقية ببيروت، وترك رحيلها أثرا نفسيا سيئا عند نزار ورثاها بقصيدة شهيرة تحمل إسمها "بلقيس".
وكانت نكسة 1967م قد أحدثت شرخا فى نفسه، وكانت حدا فاصلا فى حياته، جعله يخرج من مخدع المرأة إلى ميدان السياسة.
بعد مقتل بلقيس ترك نزار بيروت وتنقل فى باريس وجنيف حتى استقر به المقام فى لندن التى قضى بها سنين حياته الأخيرة، ومن لندن كان نزار يكتب أشعاره ويثير المعارك والجدل خاصة قصائده السياسية خلال فترة التسعينات: "متى يعلنون وفاة العرب؟" و"المهرولون".
نزار والحب
يقول نزار"الحب عندى هو العلم الوحيد الذى كلما أبحرت فيه ازدهرت جهدا!. فى عالم النساء لا توجد شهادات عالية، وليس هناك رجل فى العالم مهما كان مواظبا ومجتهدا يستطيع أن يدعى أنه حامل دكتوراة فى الحب".
الرجل الذكى هو الذى يبقى مع المرأة طالب علم إلى ما شاء الله. أنا شخصيا لا تعنينى الشهادات بل العكس أتكاسل عن قصد حتى لا أنجح وأبقى فى مدرسة المرأة نصف قرن آخر!. إننى غير مستعجل أبدا على التخرج لأننى لو تخرجت من مدرسة المرأة سوف أموت قهرا وأغدو عاطلا عن العمل.
كرس نزار نفسه لشعر الحب ولأجل الحب، ربما كان لموت أخته وصال فى سبيل الحب، أحد العوامل النفسية التى جعلته يتوفر لشعر الحب بكل طاقاته ويهبه أجمل كلماته تعويضا لما حرمت منه أخته ولربما إنتقاما لها من مجتمع رفض الحب وطارده بالفؤؤس والبنادق.
يقول نزار "حين مشيت فى جنازة أختي، وأنا فى الخامسة عشرة من عمرى كان الحب يمشى إلى جانبى فى الجنازة ويشد على ذراعى ويبكي، إن مصرع أختى العاشقة كسر شيئا فى داخلى وترك على سطح بحيرة طفولتى أكثر من دائرة، وأكثر من إشارة إستفهام".
وقد رثا نزار أخته بقصيدة من روائع أحزانه وعنوانها "إلى الأميرة المغادرة التى لم تغادر"، ومنها: صوت أختى فى بيتنا ما زال يتردد/بكل الزوايا/ووجهها الناعم الجميل/يبادل التحية كل صباح/وجه المرايا... ثم ينهى القصيدة بقوله: سلام إلى الأيام الباقية/والأيام البعيدة الباكية/سلام على يوم خرجت فيه من بيتنا/وإليه تعود دوما حية..!
وفى رثاء إبنه توفيق كتب نزار قصيدة [center]